في الجانب الغربي من دجلة كان العديد من المراكز الحضرية الرّئيسية، منها مدينة دوركوريكالزو التي زخرت أبنيتها بقصورٍ مُزيّنةٍ وبرج مدرج ومعابد ودور سكن وشوارع. وتوصّلت التنقيبات إلى أنّ زمن تأسيس المدينة يعود إلى عهد الملك كوريكالزو (القرن الخامس عشر ق.م.). كما اكتُشِفَ في بغداد عددٌ من الآثار التي تمثّل مراكز حضارية من العصرين الآشوري والبابلي.
أمّا تأسيسها الجديد فيعود إلى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، الذي أسّس أولاً مدينة المستديرة، وكانت خالية من كل المنشآت الترفيهية. ولمّا قرّر الخليفة المنصور بناء العاصمة الجديدة واختار لها الموقع الصالح، أمر بتخطيطها على الأرض بمادةٍ قابلةٍ للإشتعال، فأشعل فيها النّار ليلاً، فظهر له شكل مدينته، فاختار لها المُهندسين الذّين أشرفوا على بنائها. هكذا شُيِّدت المدينة التي دعاها المنصور "دار السّلام"، وأحيطت بخندق وأسوار تحميها من الأخطار.
شهدت بغداد خلال سنواتٍ قليلةٍ تطورًا حضاريًا واسعًا، ممّا دفع بالخليفة المنصور إلى تشييد مدينةٍ في الجانب الشّرقي من نهر دجلة سمّاها الرّصافة. ومنذ ذلك الحين صارت بغداد رائدة في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثّقافية والعلمية. وقد بلغت أوجها في عهد الخليفة هارون الرّشيد حيث بلغ فيها العمران ذروته، فأُقيمَت الجوامع والمساجد ودور العلماء والقصور الفخمة.
وبعد أن نقل الخليفة المُعتصم بالله العاصمة إلى سامراء عَرَفت بغداد فترة انحطاطٍ، لكنّ سرعان ما عادت لتكون هي العاصمة من جديدٍ.
في عهد الخليفة المُعتمد تركّز التّوسع الحضاري في الجانب الشرقي، أي في الرّصافة التي أحاطها الخليفة المُستظهر بسورٍ ضخمٍ، وتمّ ربط دفتيّ دجلة بثلاثة جسورٍ أساسيةٍ، واستُعمِلَت الزّوارق والقوارب في دجلة كوسائط للنقل بين الرصافة والكرخ. وبذلك صارت بغداد بمنشآتها ومرافقها تضمّ أكبر تجمّعٍ سكانيٍ باعتبارها عاصمةً للعالم الإسلامي.
أخذ النّهوض الحضاري المتميّز الذي شهدته بغداد يتآكل بعد استحواذ جماعاتٍ غير عربيةٍ على السّلطة، مُمهِّدةً بذلك للغزو المغولي، فبدأ بريق الحضارة يخبو حتى صارت مركزًا لولايةٍ في أطراف الدولة العثمانية بعد أن كانت عاصمة العالم. وقد ظلّت محصورةً داخل أسوارها القديمة طيلة عدّة قرونٍ من القهر والإستعباد الأجنبي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]